قبل بداية أي رحلة، يتوجب على الشخص معرفة كيف وأين يذهب وهذا لا يختلف كثيرًا عن بداية الرحلة الاستثمارية. وربما هذا السبب في عزوف البعض عن الاستثمار في الأسهم، وخسارة البعض الآخر أموالهم. لكن هذا الأمر مختلف تمامًا مع أولئك الذين يعرفون ما يفعلون وكيف يستثمرون، وهنا السؤال المطروح يتمحور حول كيف يبدأ أي شخص رحلته ليكون أحدهم!
يقول وارين بافيت “المخاطر تأتي من فعل شيء لا تعرفه”. لذا في حال كنت ترغب بالاستثمار في الأسهم ولا تعرف من أين تبدأ، فهذا الدليل سيساعدك على تجهيز نفسك وبدء رحلتك الاستثمارية عن معرفة.
كيف تبدأ الاستثمار في الأسهم؟
قبل اتخاذ أي خطوة فعلية، تحتاج أن تضع خطة تحوي خارطة طريق تستطيع السير عليها منذ أول خطوة وحتى بداية تحقيق الأهداف، ولوضع هذه الخطة يتوجب عليك التفكير بالنقاط التالية:
1- ضع قائمة بأهدافك
قبل كل شيء، عليك تحديد ما إذا كانت أهدافك تتمحور حول تحقيق دخل أساسي من بيع وشراء الأسهم، أو الاستثمار لتحقيق دخل إضافي أو أرباح على المدى البعيد.
عند تحديد أهداف الاستثمارية، فإن الخيارات ستصبح أكثر وضوحًا لأن كل منها سيتناسب مع هدف دون غيره، وبالتالي إذا كنت تبحث عن بيع وشراء الاستثمارات باستمرار ليكون عملك الأساس فإن الشركات التي تناسبك مختلفة تمامًا عن تلك التي تنمو بثبات لكن ببطء وتناسب الاستثمار لتحقيق عوائد على المدى البعيد.
كما أن بعض الحسابات الاستثمارية ربما لا تتناسب مع أفكارك وحاجتك للأموال؛ فمثلًا حسابات التقاعد تحجب إمكانية الحصول على العوائد إلا بعد الوصول لسن معين.
2- اختر حسابك الاستثماري المناسب
بعد تحديد الأهداف، حان وقت اختيار الحساب أو الوسيلة المناسبة للاستثمار. خذ بعين الاعتبار إمكانية استخدام أكثر من حساب استثماري لتحقيق الأهداف المنشودة، خاصة في حال الرغبة بتحقيق أهداف مختلفة وبالتالي يتوجب استخدام حسابات تلائم كل منها لأن البيع والشراء العادي يختلف عن الاستثمار في حسابات صناديق التقاعد أو صناديق التداول.
وتعتبر حسابات المضاربة العادية هي الخيار الأشهر والأكثر مرونة للذين يرغبون بإدارة استثماراتهم بشكل كامل وبناء محفظة استثمارية خاصة، لأنه يسمح ببيع وشراء الأسهم والدخول في الصناديق الاستثمارية المتداولة والمشاركة، كما أنه لا يستلزم أي قيمة أو حد للاستثمار أو شروط لسحب الأموال عن الحاجة. لكنه في نفس الوقت لا يحظى بمحاباة ضريبية مقارنة مع بعض الحسابات الأخرى.
وهناك نوع آخر من حسابات المضاربة يدار بطريقة مؤتمة، فعندما تكون الأهداف الاستثمارية محددة وواضح يمكن استخدام هذا النوع للتكفل بباقي المهمة، لكن إذا كانت الصورة غير واضحة حول الاستثمارات فربما تكون هناك حاجة أكبر للحصول على حسابات يديرها متخصصين يقدمون النصائح المناسبة لشراء الأسهم المناسبة وبيعها.
3- حدد ميزانيتك
بعد اختيار الحساب أو الحسابات المناسبة، تبدأ الآن مرحلة تحديد الميزانية ووضع المبلغ المراد استثماره في كل حساب لبدء الرحلة وتحقيق الأهداف المحددة في البداية.
وعلى سبيل المثال، إذا كان الهدف الاستثمار للحصول على عائد مجدي على المدى البعيد بعد سنوات لا سيما بعد التعاقد، ينصح باستقطاع 15% من قيمة الدخل لاستثمارها وهذا النسبة من المفضل زيادتها في حال كانت بداية الرحلة الاستثمارية متأخرة حتى يتسنى لك تحقيق عائد مجدي في وقت أقل.
لكن إذا لم يسمح دخلك بالبدء مع هذه النسبة، لا عليك. استثمر بالقيمة التي تستطيع توفيرها، فأي شيء أفضل من لا شي حتى لو كانت 1%، لأن هذه النسبة ستزيد مع الوقت.
عند تحديد الميزانية المناسبة، حدد الطريقة التي ستستثمر بها. فهل ستستثمر أموالك مباشرة مرة واحدة؟ أم ستستثمر على فترات زمنية؟
والحقيقة أن لكل طريقة إيجابيات وسلبيات؛ فوفقًا لتارا فالكون مؤسسة شركة Reason للاستثمار، إن الاستثمار على فترات أفضل من أجل الأهداف متوسطة أو طويلة المدى لأنه يتيح التداول باستمرار والاستفادة من الفرص المتاحة التي تظهر مع الوقت.
أما لورين نيسترات من Truepoint Wealth Counsel، فتؤكد أن الأرقام أظهرت أفضلية استثمار كافة الميزانية مرة واحدة على الاستثمار بفترات مختلفة، معللة ذلك بأن الاستثمار بأكبر قدر في فرصة مناسبة سنتجه عنه عائد أكبر كلما زادت قيمة الاستثمار، فيما لو كانت الأموال غير مستثمرة في الحساب فإنها لن تحصل على عائد.
وهذه التوجهات تفرض تساؤلات مهمة؛ هل أن مستعد لاستثمار جميع أموالي معًا والمغامرة لتحقيق عائد أكبر مع احتمالية لخسارتها؟ أم أن استثمار مبالغ على فترات متقطعة أنسب لأنه سيجنبني خسارة أكبر في حال تراجع قيمة الأسهم بالرغم من أنه عند ارتفاعها سأحصل على عوائد أكبر؟
عند الإجابة عن التساؤلات السابقة، ستجد نفسك قادرًا على اختيار المناسب لك بناء على ميزانيتك المتاحة وعلى رؤيتك للسوق وربما حبك لانتهاز الفرص والمغامرة.
4- حدد المخاطر القادر على تحملها
المخاطر التي بإمكانك تحملها تعني إلى أي مدى يمكنك تحمل المجازفة، ويعتبر هذا الأمر من أهم الأشياء لتحديد الاستثمار المناسب وتقييمه قبل عملية الشراء.
على سبيل المثال؛ إذا كنت تستثمر بالوضع القياسي والأسهم في تصاعد فهذا أمر طبيعي، لكن هل بإمكانك الاستمرار في استثماراتك مع تراجع أسواق الأسهم؟ فأحيانًا لا تتراجع قيمة شركة واحد فحسب بل يتراجع السوق بأكمله كما حدث في العامين الأخيرين مع جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية. فمثلًا إذا تراجع السوق 20%، هل ستستمر على أمل صعوده مجددًا أم ستبيع لتجنب المزيد من الخسائر؟ وإذا كنت ستستمر إلى أي مدى يمكنك ذلك؟
يمكن قياس وتحديد المخاطر الممكن تحملها من خلال طرح أسئلة بسيطة؛ مثل إلى أي مدى يمكنني الاستمرار؟ ما هي القيمة الممكن خسارتها؟ عند أي نسبة تراجع سأنسحب؟ هل سأستثمر المزيد مع تراجع أسعار الأسهم على أمل تحقيق عائد على المستوى البعيد؟
في حقيقة الأمر، تختلف الحالات بين شخص وآخر، فالبعض يعتبر الاستثمار عملًا أساسيًا والبعض يستثمر لتحقيق عائد على المدى البعيد، كما أمور مثل الأمان الوظيفي والميزانية المتوفرة تتحكم في هذه القرارات، وبالتالي تكون الإجابات مرتبطة بها.
5- فكر في المستثمر الذي تسعى أن تكونه
غالبًا يرتبط هذا الأمر مع طريقة تحديد المخاطر الممكن تحملها والأهداف المحددة؛ فهناك نوعان من المستثمرين، الذين يبحون عن استثمارات قصيرة المدى أو استثمارات بعيدة المدى.
النوع الأول يمكن القول إنه عبارة عن تداول أقرب للتجارة، فهو يرتكز على شراء وبيع الأسهم لتحقيق عوائد في فترات قصيرة وفي الكثير من الأحيان يصبح بمثابة عمل بسبب قدرته على جلب دخل أفضل من الدخل المعتاد. لكن هذا النوع من الاستثمار ينطلي عليه بعض المخاطر بسبب التغيرات السريعة الممكن حدوثها في السوق وربما تودي بالمستثمر للقاع.
أما النوع الثاني، فالهدف منه تحقيق عائد على المستوى البعيد وتحقيق أقصى استفادة من المدخرات، وبالتالي هناك إمكانية للاستفادة من النمو على المدى البعيد للشركات مع ارتفاع قيمة الأسهم على مدار السنوات.
استراتيجيات الاستثمار قصير الأجل
تنقسم استراتيجيات الاستثمار قصير الأجل إلى:
– التداول اليومي: وهنا يقوم المستثمر بشراء وبين الأسهم خلال ساعات فتح السوق، بهدف تحقيق هامش ربح بين العمليتين مع صعود وهبوط الأسعار وفقًا للعرض والطلب وحالة السوق بشكل عام.
– التداول المرن: يعمل المستثمر هنا على شراء الأسهم بغية بيعها خلال أيام أو شهور قادمة عندما يصل سعرها إلى قيمة محددة لتحقيق الربح من العملية، لا سيما عندما تكون هناك حالات متكررة سنويًا لانخفاض بعض الأسهم في فترات محددة قبل ارتفاعها، وبالتالي شرائها في حالة الانخفاض وبيعها مع عودة قيمتها يساهم بتحقيق الربح.
استراتيجيات الاستثمار طويل الأجل
تتواجد العديد من استراتيجيات الاستثمار طويل الأجل، وتشمل:
– الاستثمار في صناديق المؤشرات (Index investing): تتيح هذه الطريقة للمستثمرين وضع أموالهم في صناديق متداولة مقابل رسوم أو نسبة محددة، وتقوم الصناديق بإدارة الأموال من خلال استثمارها في الفرص المتاحة بمختلف القطاعات، ما يعني مخاطر أقل مقارنة مع الطرق الأخرى.
– استثمار القيمة (Value investing): تتطلب هذه الطريقة فراسة نوعًا ما، حيث تعتمد على الاستثمار في الأسهم التي لا تحظى بالتقدير اللازم ويتوقع لها النمو لاحقًا، وهنا يمكن الحصول عليها بثمن بخس ثم ستلاحظ ارتفاع قيمتها بشدة بعد سنوات. ويُعد وارين بافيت أحد أبرز الذين ينتهجون هذه الفلسفة.
– الاستثمار في حوكمة الشركات (ESG investing): يختار هذا النهج عادة المستثمرون الذين يبحثون عن الصناديق وأسهم الشركات التي تبذل جهودًا كبيرًا في الحوكمة وتهدف لتكون مكانًا أفضل للناس.
– استثمار الأرباح (Dividend investing): تتيح هذه الاستراتيجية للمستثمر الحصول على أرباح مقابل استثماراته بناءً على أرباح الشركة، وغالبًا ما توزع الأرباح ربعيًا أو سنويًا لكن دون ضمانات على حسب وضع الشركة والسوق، لأن الأرباح ليست مضمونة للشركة دائمًا.
6- ابدأ الاستثمار ونمي محفظتك الاستثمارية
بمجرد تحديد الأهداف والمخاطر ونوع الأسهم المناسبة والاستراتيجية المفضلة، حان الوقت لبدء الاستثمار وبناء محفظتك الاستثمارية وفقًا لأهدافك.
إذا كان هناك هدف واحد للاستثمار فيمكن اتباع نهج محدد والاستثمار في شركة أو قطاع واحد، أما إذا كان هناك عدة أهداف فمن المحبب توزيع الاستثمارات بناء على الأهداف المنشودة؛ تحديد استثمار معين لكل هدف من الأهداف.
ويمكن تنويع الاستثمارات بين:
– الأسهم: وهدفها شراء وتملك أسهم تمثل حصصًا في الشركة مقابل مبلغ محدد، وغالبًا ترتفع وتنخفض قيمة هذه الأسهم حسب السوق وأداء الشركة.
– السندات: هي أوراق مالية تطرح في أسواق المال لتمويل مشروع ما لشركة أو حكومة، ويمكن شراء هذه الأوراق مقابل مبلغ محدد، تقوم بعدها الجهة المصدرة للسندات بإعادة القيمة المدفوعة بالإضافة إلى فائدة متفق عليها – مما يعني أنها أشبه بقروض مطروحة للتداول.
– صناديق الاستثمار المشترك: تسمح الصناديق للمستثمرين بشراء حصص فيها، ومن ثم تقوم باستثمار الأموال المتوفرة في الفرص المتاحة مستفيدة من وجود مجموعة من المستثمرين المتخصصين لإدارتها.
– الصناديق المتداولة: لا تختلف كثيرًا عن الصناديق المشتركة، لكنها بالعادة توفر فرصة الاستثمار مقابل رسوم أقل، وتكون ذات تنوع أكبر في استثماراتها.
7- متابعة الاستثمارات وإعادة ترتيب الخيارات مع الوقت
بعد بدء الاستثمار، فمن المهم متابعة حالة الاستثمارات والموازنة بينها. فمثلًا إذا كنت ترغب بالاستثمار في الأسهم والسندات معًا وكانت النسبة المتاحة للأسهم 70% والسندات 30% وزادت قيمة الأسهم بسرعة أكبر، فإن نسبة الأموال المتوفرة للأسهم ستكون أكبر، وعند قياسها بعد فترة ربما نجدها 80% مقارنة مع 20% للسندات لأن قيمة الأسهم ارتفعت أسرع ورفعت الفارق.
ويمكن في هذه الحالة إعادة التوازن بين الاستثمارات من خلال بيع جزء من الأسهم على سبيل المثال ومن ثم استثمار المبلغ في السندات، أو العكس على حسب الحالة. هذا الأمر ربما سيجنبك خسارة نسبة أكبر من الأموال في حال تراجعت قيمة الأسهم، وبالتالي تعوضك البدائل عن هذا التراجع.
وربما تكون عملية الموازنة بين الاستثمارات صعبة خاصة أن البعض لا يحبذ بيع أسهمه ذات الارتفاع المستمر، لكن البعض يجده ضروريًا لتحقيق توازن على المدى البعيد وتجنب خسائر أكبر.
8- أمور أخرى خذها بالحسبان
عندما تبدأ رحلتك الاستثمارية، فهذا لا يعني الاستثمار بتسرع وأكبر مبلغ ممكن. لذا، من الجيد تحديد ميزانية وانتقاء الخيارات المناسبة لبدء الاستثمار؛ دون خوف أو الالتفات للتكهنات الكثيرة والتي تكون متضاربة أحيانًا مما يؤثر على قراراتك ويكبدك خسارة أموالك.
وإذا لم ترى نفسك قادرًا على إدارة أموالك واستثماراتك بنفسك، ربما تكون الصناديق المتداولة طريقة ملائمة للبداية – ما يمكنك من تحقيق عوائد بمساعدة هذه الصناديق المدارة من متخصصين، بجانب أخذ وقت كاف لدراسة السوق والتعلم قبل إدارة جميع استثماراتك بنفسك.