ينقسم الاستثمار عمومًا إلى صنفين؛ أحدهما استثمار القيمة والآخر استثمار النمو. لكن السؤال المهم دومًا عند بداية رحلة الاستثمار يتمحور حول أيهما أفضل أو أنسب؟ والحقيقة أن ذلك يختلف من شخص لآخر بناء على نظرته للأمور وأهدافه الاستثمارية فالبعض ينتهج استثمار النمو والآخر يسلك طريق استثمار القيمة، وبعضهما ربما يذهب مع كلاهما.
ما الفرق بين استثمار النمو واستثمار القيمة؟
يُعد الفرق الأكبر بينهما أن استثمار النمو يركز فيه المستثمرين على الشركات التي يرون فيها القدرة على تحقيق عوائد أعلى من نظيراتها بسبب قدرتها على النمو. أما استثمار القيمة فيركز على الاستثمار في الشركات غير المُقدرة من المستثمرين الآخرين في الوقت الذي تمتلك فيه إمكانيات كبيرة للنمو لاحقًا بسبب ما بإمكانها تقديمه.
يسير بعض المستثمرين مع استثمارات القيمة وغيرهم مع استثمارات النمو، لكن في بعض الأحيان يتخذ البعض استراتيجية تجمع بين النوعين – وهو أمر تقوم به الكثير من الصناديق الاستثمارية سعيًا لاستغلال أفضل الفرص المتاحة على المدى القصير والبعيد.
استثمار القيمة
يبحث المستثمرون عن فرص ذهبية تنقلهم لمرحلة مختلفة بأسعار أقل مما هو متوقع، لذا يذهبون نحو الشركات التي يعتقدون أن بإمكانها التأثير لاحقًا على الناس ومنحهم قيمة كبيرة، وبالتالي تزداد قيمتها خلال هذا الوقت. ويراهنون في استثماراتهم على ارتفاع سعر الأسهم مع الوقت بمجرد منح الشركات التقدير المستحق.
وتتسم الشركات هنا بملامح؛ أبرزها أن تقديرها الحالي أقل من الواقع، ومكرر الربحية فيها أقل، بالإضافة إلى أن عوائد توزيعات الأرباح أعلى. فيما تكمن مخاطرها بأنها ربما لا تحظى بتقدير كاف في المستقبل وبالتالي قد تحتاج الاستثمارات لوقت طويل لتحقيق الهدف المطلوب ومن الممكن ألا تصل إليه.
يُعد بنجامين غرهام الأب الروحي لهذا النهج؛ حيث عبر عن أفكاره في كتاب صدر عام 1949 ومازال مشهورًا للآن تحت اسم ” The Intelligent Investor: The Definitive Book on Value Investing”، أما أشهر المستثمرين الذين يسيرون على هذا النهج فهو وارين بافيت – أحد تلاميذ غرهام – والشخص الذي يراه الغالبية بأنه أفضل مستثمر في الأسهم على الإطلاق.
استثمار النمو
يلاحق المستثمرون هنا الشركات التي تحقق نموًا عاليًا رغبة في الاستفادة من تضاعف قيمتها، وتتميز الشركات هنا بأنها تحظى بتقدير وقيمة أكثر مما تستحق بالفعل وذلك بسبب الاقبال عليها بشكل أساسي – هذا لأنها شركات رائدة في مجالها باستمرار، ويكون فيها مكرر الربحية فيه أعلى من المتوسط.
فيما تتسم عوائد توزيعات الأرباح غالبًا بأنها أقل أو غير موجودة أصلًا، وعمومًا تكون الشركات في هذه الحالة كثيرة التقلبات وربما يلاحظ المستثمرون أنها تخلي مسؤوليتها وتذكرهم دائمًا في نتائجها المالية بأن الأرقام الحالية لا تضمن استمرار نموها في المستقبل – هنا تنويه الشركات في الحقيقة يتعارض مع فكرة الاستثمار بحد ذاتها كون الهدف الأساس من الاستثمار تنمية الأموال.
تكمن المخاطرة في هذا النهج بأن المستثمرين ربما يشترون الأسهم بقيمة أعلى من قيمتها الحقيقية، وبمجرد انحصار الطلب المرتفع أو تعرض الشركة لمشكلة ما وتراجع نموها مثلما رأينا مع عديد الشركات وقت جائحة كورونا وما بعدها، تصبح قيمة الأسهم أقل بكثير مقارنة بقيمة الشراء.
طور هذا النهج والفلسفة في الاستثمار، توماس رو برايس جونيور، في ثلاثينات القرن الماضي. وأسس لاحقًا شركة لإدارة الأصول الاستثمارية باسم ” T. Rowe Price” ومازالت تعمل إلى الآن.
جدليات الاستثمار
تكمن أهمية الاستثمار في تنمية الأموال، وبالتالي يرغب أي مستثمر بشراء الأسهم بسعر منخفض وبيعه بسعر مرتفع وهو ما يعني أن فلسفات استثمار القيمة والنمو لا يمكن الفصل بينهما فعليًا بالرغم من وجود مؤيدين مخلصين لكل نهج.
ويجدر القول إن الكثير من الشركات تتطور أسمهما من النمو للقيمة والعكس بناء على توسعها وانتشارها وما توفره لاحقًا من خدمات؛ فشركة لا تحظى أسمهما بتقدير كاف الآن وتمتلك مقومات نجاح في المستقبل من المتوقع أن تتحول أسمهما لتكون استثمارات نمو بمجرد أن تحظى بالتقدير الكافي ويرتفع الطلب عليها.
لذا، يرى البعض أن الاستثمار في أسهم الشركات التي نجت بفرض نفسها وحققت النمو المطلوب أنسب للاستثمار، فرغم احتمالية تراجع الأسهم مع تراجع النمو، إلا أن هناك احتمالية قوية باستمرار تحقيقها لنتائج أكبر وبالتالي تزيد قيمة أسمهما على مدار سنوات – ما يعني أن الاستثمار فيها الآن سيتكلل بعوائد عالية حتى لو رأى البعض أنها تستحق أقل.
فيما يذهب البعض للبحث عن أسهم الشركات التي بدأت طريقها نحو النجاح لكن أسعارها أقل من الواقع بسبب قلة تقديرها من الآخرين، لذا فإن شراء هذه الأسهم بتوقع نموها لاحقًا مع منحها التقدير اللازم سيرفع من قيمتها وبالتالي فرصة لبيعه بسعر كبير بعد شرائها بأسعار منخفضة نسبيًا.
نلاحظ أن كل نهج يتناسب مع فئة لكن الغاية لكلاهما تحقيق عوائد على استثماراتهم أو شرائها بأقل سعر ممكن وبيعها بأعلى سعر ممكن.
ماذا أختار؟
عندما تحدد أهدافك الاستثمارية وتبني استراتيجيك وفقًا لوضعك الخاص وإمكانياتك؛ فإن استثمار النمو ربما يوفر فرصة أعلى لتحقيق أهدافك، وأحيانًا يكون العكس. لكن إذا كانت إمكانياتك تساعد في استغلال كلاهما، فما المانع من انتهاج استثمار القيمة والنمو معًا لتحقيق غايتك؟
فإذا كانت الاستراتيجية تسمح بتنوع المحفظة الاستثمارية؛ من المفترض الاستفادة من هذه القدرة على التنوع لأن السوق يتغير باستمرار ويمكن للتنوع منح التوازن لمحفظتك.
على نفس الجانب، هناك مفاهيم خاطئة تشير لتوجه المستثمرين نحو استثمار القيمة أو استثمار النمو، والحقيقة أن تغيرات السوق وظهور الفرص الاستثمارية تحكم القرار، لذا الانفتاح لأفضل الفرص بغض النظر عن نوعها هو القرار الأفضل.
على سبيل المثال؛ إذا استثمرت في أسهم شركة عمرها 100 عام أثناء هبوط السوق، فإنك ستكون مستثمر قيمة لأن هذا النوع من الشركات يستمر مع الوقت ويعاود النهوض رغم التراجع وقتها. أما إذا اخترت شراء أسهم في شركة تشهد نموًا مستمرًا خلال سنوات ماضية، فأنت الآن مستمر نمو، لأنك استثمرت في الوقت الذي يرتفع الطلب على هذه الأسهم لكن هذا الارتفاع سيتضاعف كذلك عندما تستمر الشركة بالنمو.
المصادر: