عندما تبدأ رحلة الاستثمار بعد وضع الأهداف والخطط والاستراتيجية الملائمة، يبدأ المستثمر بالبحث عن فرص استثمارية تتوافق مع رؤيته لتحقيق أفضل العوائد لكن في الكثير من الأحيان يقع في مصيدة الإغراء؛ حيث يقوم باستثمار جميع أمواله أو معظمها مرة واحدة في فرصة مميزة أملًا بتحقيق أفضل النتائج.
ورغم أن الاستثمار في الأسهم وشرائها بأسعار مميزة في وقت الهبوط يمكن أن يساعد بجني نتائج كبيرة بعد فترة، إلا أن الجانب المعاكس يشير لاحتمالية هبوط سعرها أكثر – أي أن دفع جميع الأموال في سلة واحدة بإمكانه التسبب بخسارة فادحة كذلك. لذا يتوجب الاستثمار باتزان لتفادي مثل هذه الأمور.
وربما لا يجد البعض هذه الطريقة مجدية لأنها ستحرمهم من إمكانية الحصول على أكبر عوائد، لكنها بكل الأحوال ستجنبهم أكبر الخسائر. ما يعني قدرة أكبر للحفاظ على الاستمرارية في السوق – فالاتزان يعطي هامشًا أكبر للاستفادة من التغيرات السعرية لأنه يفتح الباب على جميع الاحتمالات دون مغامرة ورفع مستوى المخاطر القاتلة.
وينتهج خبراء الاستثمار في أسواق المال طريقتين في معظم الأحيان لتحقيق الاتزان وتنمية الاستثمارات؛ وذلك من خلال ما يمكننا تسميته “الاتساق والتراكمية في الاستثمار”، وتعزز الطريقتان غالبًا من نجاح الاستراتيجية الاستثمارية المختارة خاصة على المستوى البعيد. فكيف يتم ذلك؟
الاستثمار على أجزاء وبانتظام
تتواجد الكثير من الفرص المغرية بين الفينة والأخرى في السوق ما يدفع المستثمر لاسيما المبتدئ لضخ ميزانيته كاملة أو معظمها في الفرصة، لكن بما أن الأسواق لا تخلو من التقلبات فاحتمال تراجع قيمة الأسهم وارد وبالتالي إمكانية خسارة المال بالكامل وعدم القدرة على الاستثمار مجددًا.
لذا يؤكد الخبراء على ضرورة تحقيق الاتساق في الاستثمارات، لا سيما بنيامين غرهام الأب الروحي لاستراتيجية استثمار القيمة – التي يُعد وارين بافيت أشهر السائرين عليها، وذلك من خلال نظريته توسيط التكلفة أو توسيط تكلفة الدولار.
نظرية توسيط التكلفة (Dollar Costing Averaging)
تتمحور النظرية حول تقسيم الاستثمارات إلى عدة أجزاء بدل من استثماراها مرة واحدة؛ والهدف من ذلك الاستفادة من تغيرات الأسهم السعرية للحصول على سعر متوسط.
مثال:
إذا كنت ترغب باستثمار 10,000 ريال في شركة ما فبدلًا من استثمار القيمة كاملة مباشرة، تنص النظرية على تقسيم الاستثمار لعدة أقسام خلال فترات زمنية محددة – أي أن الهدف في النهاية سيكون استثمار المبلغ المتاح لكن على أجزاء.
وللتوضيح؛ يمكنك استثمار 2,500 ريال على 4 مرات مثلًا، فإذا استثمرت في شركة ما وكان هذا المبلغ يتيح شراء 250 سهمًا، ففي حال كنت قد استثمرت جميع الأسهم معًا كنت ستحصل على 1,000 سهم.
لكن إذا قمت بتقسيم المبلغ واستثمرت على 4 شهور؛ وفي الشهر الأول حصلت بنفس القيمة على 250 سمهًا، وفي الشهر الثاني على 350 سهمًا بنفس القيمة، وفي الثالث على 220 سهمًا، والرابع على 400 سهم؛ فإن عدد الأسهم الإجمالي سيكون 1,220 سهمًا.
وفي هذه الحالة فإنك امتلكت عدد أكبر من الأسهم مقارنة مع ما كنت ستحصل عليه عند استثمار المبلغ مرة واحدة في البداية.
لكن! رغم نجاعة هذه الطريقة فيجب التنويه لنقاط مهمة تتمثل في أنها غير مناسبة للاستثمارات قصيرة المدى، وفي بعض الأحيان عندما تستمر أسعار الأسهم بالارتفاع فقط سيجد المستثمر نفسه قد حصل على عدد أقل من الأسهم مقارنة مع ما كان سيحصل عليه عند استثمار القيمة مرة واحدة في البداية.
التراكمية في الاستثمار
يتيح الاتساق بالاستثمارات وتوزيعها في تجنب الخسائر والبقاء في السوق، فيما تمكن التراكمية في الاستثمار الأشخاص من تنمية أموالهم باستمرار خاصة في الاستراتيجيات طويلة المدى. فكيف يحدث ذلك؟
التراكمية أو الاستثمار التراكمي؛ تعني إعادة استثمار العوائد من الاستثمار الأولى في نفس الفرص، ما يعني أن قيمة رأس المال المستثمر سترتفع وبالتالي ستكون العوائد أعلى في المرة التالية.
مثال:
إذا استثمرت 5,000 ريال في أسهم شركة تقوم بتوزيع أرباحها على المستثمرين باستمرار، وحصلت على عائد 500 ريال بنهاية العام فبدلًا من سحب المبلغ أعد استثماره، وبالتالي تصبح قيمة استثماراتك 5,500 ريال – أي أن العائد في المرة التالية سيكون على القيمة الأخيرة وليس على الاستثمار الأصلي فقط وهو ما يعني أرباح متزايدة طالما تعمل الشركة باستقرار وأرباح أكثر عند نموها.
وبجانب تمكين المستثمر من تحقيق نمو متزايد في قيمة محفظته الاستثمارية مع الوقت، توفر عليه دفع أموال عند سحب الأموال مثل الضرائب.
وتتيح العديد من الشركات خيار إعادة استثمار توزيعات الأرباح من خلال شراء حصص محددة تكون في الكثير من الأحيان بأسعار أقل مما هي مطروحة عليه للمستثمرين الخارجيين، وبالتالي كلما أعدت استثمار المبلغ سينمو العائد التراكمي خلال السنوات التالية.
توافق
إذا قررت أخذ الاستثمار التراكمي على محمل الجد لتحقيق عوائد على المدى البعيد، ستجد أنك تستثمر بطريقة توسيط التكلفة للدولار مع الوقت لأنه كلما استثمرت العوائد ستجد نفسك تشتري الأسهم بأسعار متفاوتة أي ربما تحصل على بعضها بسعر أقل مما اشتريت به المرة الأولى – ما يعني أسهم أكبر بسعر أقل وهو ما يأخذنا إلى إمكانية استحواذك على حصة أكبر في الشركة مع الوقت.
ويعزز تحقيق الاتساق والتراكمية في الاستثمار للنتائج على المدى البعيد من التوافق بين الآليتين، فكلما كانت المدة أطول سيكون الناتج أفضل غالبًا.
المصادر: